هدفت هذه الدراسة إلى إستقراء مواضع التفكير والإبداع في القرآن الكريم، وتحليل مضامينها والوقوف على تفسيرها كما ورد في كتب التفسير
د. عذاري جعفر الكندري
الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب
أ. عائشة محمد الكندري
باحثة في العلوم الشرعية
الملخص
هدفت هذه الدراسة إلى إستقراء مواضع التفكير والإبداع في القرآن الكريم، وتحليل مضامينها والوقوف على تفسيرها كما ورد في كتب التفسير، واستخراج المصطلحات الشرعية للتفكير ومشتقاته اللغوية، كذلك الإبداع ومشتقاته اللغوية، لربطها بالتعاريف اللغوية لتلك المفاهيم، وتكونت عينة الدراسة من 77439 كلمة من كلمات القرآن الكريم.، اتبعت الدراسة المنهج المسحي التحليلي التفسيري لكلمات الابداع والتفكير ومشتقاتهم اللغوية، تم تفريغ البيانات عن طريق أداة من إعداد الباحثتان أعدت لتحقيق أهداف الدراسة وتم تحكيمها من قبل عدد من المختصين، أشارت النتائج إلى أن كلمة " تتفكرون" و"يتفكرون" وردت في الآيات القرآنية إثنى عشر مرة، تدعوا المسلمين للتفكر في النبوة المحمدية ومخلوقات الله في الأرض والأمور الدينية وما تحويه من غيبيات والأمور الدنيوية ومنافعها، كما تكررت كلمة "بديع" مرتان، موجهتان لأهل الكتاب مؤكدتان على عظمة الخالق، بينما جاءت كلمة "بدعاً" مرة واحدة في القرآن الكريم موجهة للمشركين لثبت النبوة المحمدية، وذكرت كلمة "ابتدعوها" مرة واحدة كانت موجهة للنصارى مشيرة إلى بعض العبادات التي فرضوها على أنفسهم لم يفرضها الله عليهم، تؤكد نتائج تحليل كلمة التفكير ومشتقاتها اللغوية على دعوة الإسلام للمسلمين للتفكير التحليلي في أمور الدنيا والدين، وقدرة الآيات القرآنية على تحفيز هذا النوع من التفكير، في المقابل أكدت نتائج تحليل كلمة الإبداع أن أن البديع صفة لا تبغي إلا لله وحده وهي تختلف في مضمونها عن الإبداع الإنساني والإبتداع، ومن أهم التوصيات التي خلصت بها الدراسة تعزيز دراسات الإبداع من المنظور الإسلامي وتطبيقها في المجالات المختلفة بما يتناسب مع شريعتنا.
الكلمات المفتاحية: إستقرائية، تحليلية ، تفسيرية، التفكير، الإبداع، القرآن الكريم
المقدمة
القرآن الكريم معجزة الله لنبيه محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، احتوى ذلك الكتاب العظيم على بديع البيان وما عجز عنه الإنسان، فقد أعجز ببيانه البلغاء والشعراء والفصحاء، قال تعالى "قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا" (الإسراء، 88).
كما جاء القرآن الكريم بلسان عربي مبين، واحتوى بين دُفتيه أمثالاً ومواعظ وعبر، طرحت بأسلوب البيان وسردت بإبداع مما سلب العقول، فقد جمعت الآيات القرآنية بين الاستعارة والتشبيه والكناية والأمثال والقصص التي ضربت للناس، طُرحت طرحاً إبداعياً في غاية الجمال والإيجاز، لتشبع ذائقة قارئ القرآن وتنمي مداركه وترفع من مستوى خياله.
يدعو الإسلام إلى الإبداع ويحث عليه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة). أي أن كل اختراع أو إبداع له أصل في الشرع، وإن لم يكن له أصل في الشرع وهو لا يخالفه، ابتداع محمود ومحثوث عليه طالما فيه خير للبشرية.
تحث الكثير من الآيات القرآنية على الإبداع من خلال دعوة البشر للتفكر والتأمل في خلق الله، وأن يسيروا في الأرض ويرتحلوا في أنحائها لاستثمار قلوبهم وعقولهم وحواسهم ليصلوا إلى الحقائق ويدرسوا قوانين الطبيعة التي بدورها تنمي قدرات التفكير الإبداعي لديهم، والدليل قوله تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ}،
جاء في قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}، فالله سبحانه وتعالى من صفاته أنه بديع، والإنسان خليفة الله في الأرض، فينبغي على الإنسان أن يكون مبدعاً، بدليل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}، فالإنسان خليفة الله واستخلف في الأرض للعمل والإبداع لقوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}. (العجمي، 2007)، هذه الدراسة جاءت كمحاولة تحليلية لبلورة مفاهيم التفكير والابداع ومشتقاتهم اللغوية كما جاءت في القرآن الكريم.
أهمية الدراسة
١. يتناول البحث مفهومين مهمين لرقي الأمم وتقدمها هما التفكير والابداع.
٢. البحث قائم على تحليل الآيات القرآنية، لتقديم رؤية حول مصطلح التفكير والإبداع.
٣. تسليط الضوء على الدلائل القرآنية التي تدعوا للتفكير والإبداع.
٤. زيادة وعي المسلمين بمدى أهمية إتباع تعاليم ديننا الحنيف لننهض بأمتنا الإسلامية.
٥. الأكيد على الحاجة لمزيد من البحوث حول النسق الإسلامي للمفاهيم الحديثة، من أبرزها الابداع.
أهداف الدراسة
١. التأكيد على مدى اهتمام الإسلام بدعوة المسلمين للإبداع.
٢. إثبات أن الإسلام جاء بمصطلح الإبداع قبل الغرب.
٣. بيان مواضع الإبداع في القرآن الكريم وتحليل معناها.
٤. الوصول إلى مفهوم الابداع من المنظور القرآني.
٥. بيان دور القرآن الكريم في الدعوة للإبداع.
منهج الدراسة
المنهج الاستقرائي التحليلي التفسيري لمواضع التفكير الإبداع ومشتقاتهم اللغوية في الآيات القرآنية، لتحقيق أهداف البحث.
مجتمع الدراسة
جميع سور القرآن الكريم التي بلغت 114 سورة، موزعة على 30 جزءً، مقسمة إلى 60 حزباً، يبلغ عدد آياته 6348 آية، وكلماته 77439 كلمة، بإجمال أحرف 320015 حرفاً.
عينة الدراسة
جميع الكلمات التي وردت في 114 سورة من سور القرآن الكريم، والتي بلغ عددها 77439 كلمة.
أداة الدراسة
جمعت البنود المطلوبة للإجابة على أسئلة الدراسة في أداة للتحليل، تم إعدادها على شكل جداول، حكمت الأداة من قبل أربعة محكمين متخصصين، وتكونت في شكلها النهائي بعد التعديلات التي تمت بعض ملاحظات المحكمين، على مجموعة من الجوانب التي تم تحليلها للإجابة على أسئلة الدراسة، كالآتي:
الآية – رقم السورة – نوعها (مكية، مدنية) – تفسيرها- سبب النزول- المعنى اللغوي – موجهة إلى- ملاحظات أخرى، أنظر (ملحق1).
أسئلة الدراسة
- كم مرة ورد مصطلع البديع في آيات القرآن الكريم، وبأي معنى جاءت؟
- كم مرة ورت مشتقات كلمة الإبداع في آيات القرآن الكريم، وبأي معنى جاءت؟
- كم مرة وردت كلمة تفكير في آيات القرآن الكريم، وبأي معنى جاءت؟
- كم مرة ودت مشتقات كلمة التفكير في آيات القرآن الكريم، وبأي معنى جاءت؟
- ماهي العلاقة بين المعنى الشرعي والاصطلاحي للإبداع؟
- ماهي العلاقة بين المعنى الشرعي والاصطلاحي للتفكير؟
إجراءات الدراسة
هذه الدراسة إستقرائية تحليلية، حول التفكير والابداع كما ورد في آيات القرآن الكريم، وقد قامت الباحثتان بالإجراءات الآتية للتوصل إلى إجابات لأسئلة الدراسة، وهي كالآتي:
١. تحديد مفهوم كلاً من التفكير والإبداع لغةً وإصطلاحاً.
٢. استقراء آيات القرآن الكريم التي تناولت التفكير والابداع ومشتقاتهم.
٣. تحديد معناها اللغوي وتفسير الآيات كما ورد في تفاسير القرآن الكريم.
٤. تحليل وربط المعاني لكل مصطلح من المصطلحات في التفكير والابداع.
٥. تحديد العلاقة بين المفهوم الشرعي واللغوي والاصطلاحي للمفهومين وهما التفكير والابداع.
مفاهيم الدراسة
الإستقراء
تتبع أمراً ما وتقصيه للوصول إلى نتيجة محددة.
التحليل
شرح الشيء وتفسير ما جاء به والتعرف على دلالات معانيه.
القرآن الكريم
المفهوم اللغوي: لفظ القرآن مشتق من الفعل قرأ بمعنى القرء أي الضم والجمع، ومنه القول: قرأت الشيء- فهو قرآن أي ألّفت بينه وجمع بعضه إلى بعض، أٌطلق اسم القرآن على كتاب الله تعالى لأنّه يؤلّف بين السور المكونة له، ويضم في ثناياه القصص والأخبار، والوعد والوعيد، والأوامر والنواهي.
المفهوم الاجرائي: هو كلام الله تعالى المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، المعجز بلفظه ومعناه، المتعبد بتلاوته، والمنقول إلينا بالتواتر، مكتوب في المصاحف.
التفكير
المفهوم اللغوي: جاء معنى فكر في المعجم الوسيط كما يلي: فَكْراً أي أعمل العقل فيه ورتب بعض ما يعلم ليصل به إلى المعلوم، وأفكر أي فكر فيه، وفَكَر في الأمر أي المبالغة في فكر وذلك اللفظ أشيع في الإستعمال، والمُفكر هو الشخص الذي أعمل عقله ليتوصل إلى حل. كما ورت تعريفات أخرى في المعاجم اللغوية أجمعت على أن التفكير عبارة عن إعمال العقل لتحقيق غاية معينة كحل مشكلة أو اكتشاف مجهول أو فهم معنى أو التوصل لحقيقة أو إثبات شيء.
المفهوم الإجرائي: هو نشاط عقلي غير ظاهري يتم عند التعرض للمثيرات الخارجية، ويأخذ شكل خطوات متسلسلة تنتهي بنتيجة ملموسة (كمنتج) أو غير ملموسة (كفكرة).
الابداع
المفهوم اللغوي: الابداع مصدر للفعل أبدع بمعنى اخترع وابتكر على غير مثال سابق، ويقال أبدعت الشئ وابتدعته أي إستخرجته وأحدثته، وعندما يقال فلان بدع في هذا الأمر يعني أنه أول من فعل هذا الأمر.
المفهوم الإجرائي: مجموعة من القدرات والمهارات والسمات الشخصية التي إذا ما توفرت لها البيئة المناسبة، ترتقي لتؤدي نتائج أصيلة تعود للفرد والمجتمع بالمنفعة.
التفكير الإبداعي
المفهوم الاجرائي: نشاط عقلي مركب وهادف توجهه الدافعية العالية للاستمرار في توليد الحلول والبدائل، للتوصل لنتائج لم يصل إليها الآخرون وغير معروفة سابقاً.
مدخل الدراسة
شهدت الثلاثينيات والاربعينيات من القرن العشرين اهتماماً متزايداً بمفهوم الابداع بشكل خاص، يعود ذلك الاهتمام لأسباب عديدة منها الحرب العالمية الثانية، وما استدعته من البحث عن الطرق والأساليب الجديدة غير المألوفة لتحسين الحياة، وبانتهاء الحرب العالمية عاش العالم حرباً باردة تطلبت وجود اختراعات ومنتجات أصيلة في شتى المجالات، ولن يتحقق ذلك إلا عن طريق رعاية وتنمية المهارات العقلية للأدمغة البشرية، ومازال هذا الاهتمام قائماً حتى يومنا الحالي، في المقابل مازال مفهوم الابداع مثيراً للجدل وبحاجة للمزيد من الاهتمام.
وقد جاءت تلك الدراسة كمحاولة لتتبع المواضع القرآنية التي وردت فيها مصطلحات التفكير والابداع وما أشتق منها، وذلك لشرحها وتفسير ما جاء بها والتعرف على دلالاتها ومعانيها، لربطها بما جاء من مصطلحات وتعاريف حول المفهومين، وصولاً إلا مفهوماً للتفكير والإبداع من منطلق إسلامي بهدف التأصيل الإسلامي، فأي رؤية إسلامية لابد أن ترتبط بمرجعها الإسلامي لتكتمل، أي لابد أن يكون هناك مرجعية إسلامية لتحديد المفاهيم وتأصيلها، وهذا ما قامت عليه الدراسة الحالية حيث أنها اتخذت من القرآن الكريم مرجعاً أساسياً، وتم تفسير ما جاء به من مصطلحات الدراسة الأساسية (التفكير والابداع) باللجوء إلي أهم كتب التفسير، وذلك بهدف الوصول إلى الفهم للسليم، للربط بين ما جاء في الدين الإسلامي وما أتى به المهتمين والمختصين في هذا المجال.
ورغم أن الاهتمام بمفهوم التفكير والابداع أصبح اهتماماً عالمياً، فتلك المفاهيم أصبحت أحد الأسباب الأساسية للتقدم المعرفي والتقني والفني، إلا أنه لم يأخذ القدر الكافي من الاهتمام لدى فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها وباحثيها، فمازال أمامنا الكثير كباحثين ومختصين لنقدمه في هذا المجال الواسع، وقد جاءت دلالات التفكير والابداع في القرآن الكريم بشكل مباشر وغير مباشر، في هذه الدراسة سوف نتطرق للدلالات المباشرة المذكورة في الآيات القرآنية، والأمر الذي دعانا لإعداد تلك الدراسة هي الدعوة الإسلامية لاتباع الحق دون تقليد الآباء والأجداد إن كانوا على غير ذلك، فالإسلام يدعوا إلى استخدام العقل في التفكر والتدبر والتأمل من جهة، ومن جهة أخرى يشجع التفكير الإبداعي دون تجاوز، والاجتهاد دون إفتاء، والتجديد دون تبرير، ليكون لدينا أمة قادرة على مواكبة الحياة ومواجهة تحدياتها، بإعمال العقول بدلاً من إعفائها من مسؤولياتها.
فالعقيدة الإسلامية تؤسس شخصية متكاملة قادرة على مواكبة التطورات والتصدي للتحديات، فقد أسس العلماء المسلمين السابقين قوانين ومبادئ للتفكير، اشتقها الأوروبيون وكانت الأسس التي بنيت عليه قوانين العلم الحديث، فلو استمر المسلمين على ذلك النهج من التفكير لسبقنا الدول المتقدمة، فبعدنا عن العقيدة الإسلامية وبحثنا عن العلوم خارج كتابنا وسيرة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، جعلتنا أمماً ننتظر الحلول والمبتكرات والإبداعات من الآخرين، فلكي يكون المؤمن شخصاً مفكراً مبدعاً لابد أن يراجع ويفهم ما جاء في العقيدة الإسلامية وينطلق منها.
النتائج
السؤال الأول: كم مرة ورد مصطلح البديع في آيات القرآن الكريم، وبأي معنى جاءت؟
بعد جمع وحصر الآيات التي ورد فيها مصطلح بديع، وتفسيرها واستخراج معانيها أشارت النتائج أن كلمة بديع ورت مرتان في القرآن الكريم كالآتي:
جدول1 مواضع كلمة بديع في آيات القرآن الكريم

في الموضعين السابقين جاء لفظ بديع كاسم من أسماء الله تعالى لإبداعه الأشياء وإحداثه إيّاها وهو البديع الأول قبل كل شيء، ويجوز أن يكون بمعنى مبدع أو يكون من بدع الخلق أي بدأه، والله بديع السموات والارض أي خالقها ومبدعها فهو الخالق المخترع لا عن مثال سابق، لا يشير معنى الابداع في لسان العرب إلى إيجاد شيء من لا شيء، بل تشير إلى إنشاء وخلق وإيجاد على غير مثال سابق، وأن ابتداء شيء على غير مثال سابق لا يعني إيجاده من لا شيء، فأنت تبدأ لوحتك الفنية من شيء، وليس من لا شيء، كذلك الإنسان بدأه الله من طين، وقوله تعالى (يبدأ الخلق ثم يعيده)، لذا يصعب القول بأن معنى الإبداع هو الإيجاد من العدم، لأن القرآن الكريم نسب الإبداع إلى البشر كما سيأتي على ذكره لاحقاً، فحتى إذا كان معنى الإبداع هو الخلق من عدم، فذلك ليس على نحو الحصر للمفهوم بل على نحو الحصر لله وحده.
كما جاء في الصحاح في اللغة معنى أبدعت الشيء: اخترعته على غير مثال. والله تعالى بديع السماوات والأرض، والبديع هنا وليست للإشارة إلى أن المادة تستخدم في الخلق من العدم، كما جاء في مقاييس اللغة الأخرى أن (الباء والدال والعين) أصلان: أحدهما ابتداء الشيء وصنعه لا عن مثال، وليس هناك ما يشير إلى أن المادة تعني الإيجاد من لا شيء، لذا هل البديع صفة لا تنبغي إلا للَّه وحده سبحانه وتعالى؟ كما يدعي البعض ليعيق التفكير، فلا خلاف بأن الله سبحانه هو خالق الأشياء بلا مثال سابق، ولا مادة ولا زمان ولا مكان، واللَّه عزّ وجلّ هو البديع الذي لا نظير له في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا في مصنوعاته، فإبداعه كاملاً غير منقوص كما إبداع البشر، فالله سبحانه هو البديع المطلق.
السؤال الثاني: كم مرة وردت مصطلحات مشتقة من الإبداع في آيات القرآن الكريم، وبأي معنى جاءت؟
بعد جمع وحصر الآيات التي ورد فيها مصطلح أشتقت من الإبداع، وتفسيرها واستخراج معانيها أشارت النتائج أن كلمة هناك مصطلحان (بدعاً وإبتدعوها) ورت في موضعين في القرآن الكريم كالآتي:
جدول2 مواضع مشتقات الإبداع في آيات القرآن الكريم

في الموضعين السابق جاء لفظ بدع بطريقتين مختلفتين في الصيغة دون الصياغة، ففي لسان العرب جاء معنى بدع الشيء يبدعه بدْعا وابتدعه أي أنشأه وبدأه. وبدع الكرَّكية: استنبطها واحدثها... وقال أبو عدنان: المبتدع الذي يأتي أمرا على شبه لم يكن ابتدأه إياه. وأبدعتُ الشيء: أخترعه لا على مثال... قال أبو إسحق: يعني أنشأها على غير مثال، وهنا تقرير لحقيقة بأن الإبداع نوعان أحدهما محمود أي نافع ومفيد والآخر مذموم أي ضار وسيء، في الابداع المحمود يصل الإنسان إلى أفكار ومنتجات تعمر الأرض وتحقق التقدم والتطور وتسهل الحياة وترفع من الرفاهية، جودة الحياة وتحقق السعادة لبني البشر، أما الإبداع المذموم فهو الابداع الذي يكون على غير علم أو معرفة، فيسبب الفواحش والتراجع والتخلف، ومن الابداع المذموم الابتداع في الدين كما ذكر في الآيتين السابقتين.
تشير النتائج إلى أن مشتقات كلمة الإبداع وردت في أربعة مواضع بالقرآن الكريم لأسباب مختلفة، فقد جاءت في موضعين لتشير إلى إبداع الله في خلقة الذي أوجده على غير سابق مثل وبأجمل وأكما هيئة وأتم حكمة، وفي الموضعين الآخرين جاءت لتشير إلى أن المستحدثات من الأمور قد لا تأتي بعواقب مفيدة دائماً، فهناك الابتداع الذي يعكس الابداع المذموم، وذلك لأنه قائم على غير علم ومعرفة، منبعه الأفكار والأهواء الشخصية، فالإبداع يتمثل بالقدرات والمهارات العقلية التي يهبها الله لعباده، ليتمكنوا من خلالها للوصول إلى أفكار أو منتجات غير مسبوقة تتميز بالأصالة والجدة، بشرط أن تستخدم تلك الابداعات في الخير وهداية الخلق ودلالتهم عليه، كما أنه على الأمم الإسلامية اكتشاف المبدعين وتحفيزهم وتنمية مواهبهم، لإطلاق أقصى طاقاتهم وإمكانياتهم، وذلك لننهض بأمتنا الإسلامية وننافس الأمم التي سبقتنا.
السؤال الثالث: كم مرة وردت كلمة تفكير في آيات القرآن الكريم، وبأي معنى جاءت؟
بعد جمع وحصر الآيات التي ورد فيها مصطلح التفكير، وتفسيرها واستخراج معانيها أشارت النتائج أن كلمة يتفكرون وتتفكرون ورت 14 مره في القرآن الكريم كالآتي:
جدول3 مواضع التفكير في آيات القرآن الكريم

تابع جدول3 مواضع التفكير في آيات القرآن الكريم

تابع جدول3 مواضع التفكير في آيات القرآن الكريم

تابع جدول3 مواضع التفكير في آيات القرآن الكريم

تابع جدول3 مواضع التفكير في آيات القرآن الكريم

تابع جدول3 مواضع التفكير في آيات القرآن الكريم

أشارت الآيات السابقة إلى أهمية التفكر، حيث أنه يعتبر من العبادات العظيمة التي يمارسها المسلم، والتفكر يقصد به إعمال العقل وصولاً للإدراك الصحيح، من خلاله يمكن فهم الأمور الدقيقة التي لن يصل إليها الفرد إلا بالتدقيق والتحليل والتفكر بالمعاني، والدعوة هنا ليست إلى أي تفكر بل التفكر الدلائل الصحيحة، والمبني على الاستراتيجيات والأساليب الشرعية، وقد جاءت موضوعات التفكر في المواضع الأربعة عشر السابقة في خمسة محاور رئيسية هي: أولاً: التفكر في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ونبوته والوحي، ثانياً: التفكر في الطبيعة والكون من حولنا، ثالثاً: التفكر في مخلوقات الله والنفس البشرية، رابعاً: التفكر في الآمور الدنيوية ومنافعها، أخيراً: التفكر في الأمور الدينية وما تحويه من غيبيات.
السؤال الرابع: كم مرة وردت مشتقات كلمة الفكر في آيات القرآن الكريم، وبأي معنى جاءت؟
بعد جمع وحصر الآيات التي ورد فيها مشتقات مصطلح التفكير، وتفسيرها واستخراج معانيها أشارت النتائج أن كلمة تفكروا ورت 3 مرات في القرآن الكريم كما وردت كلمة فكرة مرة واحدة كالآتي:
جدول4 مواضع مشتقات التفكير في آيات القرآن الكريم

تابع جدول4 مواضع مشتقات التفكير في آيات القرآن الكريم

بينت الآيات القرآنية أهمية التفكير في حياة الإنسان ورفع من قيمة الإنسان ، قال تعالى : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون )، وقد حط القرآن من شأن من لا يستخدم عقله وتفكيره بأن جعله أدنى درجة من الحيوان، قال تعالى : ( إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لايعقلون )، ويتضح حرص القرآن الكريم على دعوة الناس إلى التعقل والتفكير من ورود كثير من الآيات التي تتضمن مثل هذه العبارات " أفلا يعقلون " ، " أفلايتفكرون " ، " لعلكم تتفكرون " ، " لعلكم تعقلون " ، كما وردت مشتقات " العقل " في القرآن الكريم ( 49 مرة) ووردت مشتقات الفكر فيه ( 18 مرة ).
إن من أهم استحقاقات الإيمان باسم الله "البديع" هو التفكر في الكون وما فيه من نعم ومخلوقات، التفكر في مظاهر الإبداع فيها، وما تورثه في قلب العبد من إيمان وتسليم بوحدانية الله -عز وجل- وقدرته، والحرص على تعليم أبنائنا أساليب التفكير الإبداعي للنهض بالأمة الإسلامية ونرفع من شأن ديننا العظيم.
التوصيات
- التفكر والتمسك بالقرآن الكريم، فقد سبق الغرب فيما جاء به من العلم، فقط علينا فهمه وتطبيق ما جاء به.
- العمل على تنمية التفكير الإبداعي، عن طريق تطبيق الاستراتيجيات والأساليب التربوية على أبنائنا، وذلك لنهضة الأمة الإسلامية.
- عمل مزيد من الدراسات والبحوث لربط الابداع والتفكير بالمصطلحات الأخرى منها التعقل والجعل والخلق، للوصول إلى الفهم الشامل المتكامل حول الإبداع وتأصيله في الإسلام.
المراجع
القرآن الكريم
أبادي، مجد الدين أبو طاهر. (2005). القاموس المحيط. مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع: بيروت.
ابن كثير، إسماعيل وأبو الفداء، عماد الدين. .(1999) تفسير القرآن العظيم، تفسير ابن كثير (تحقيق: سامي بن
محمد السلامة). دار طيبة: الرياض.
ابن منظور. (2005). لسان العرب. مج13، ط4، دار الصادر: بيروت.
جروان، فتحي. (2017). الموهبة والابداع والتفوق. ط7، دار الفكر للنشر والتوزيع: عمان.
السعدي، عبدالرحمن. (2010). تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (تحقيق: عبدالرحمن بن معلا
اللويحق). مؤسسة الرسالة: دمشق.
الشهراني، سعيد بن علي. (2020). الإبداع في الإسلام، رؤية شرعية. 4 (1)، مجلة العلوم الإسلامية الدولية:
جامعة المدينة العالمية.
الطبري، أبو جعفر والآملي، محمد. (2000). جامع البيان في تأويل القرآن (تحقيق: أحمد محمد شاكر). مؤسسة
الرسالة: دمشق.
العجين، إبراهيم. (2015). الإبداع رؤية إسلامية. مركز ديبونو لتعليم التفكير: عمان.
عمر، أحمد مختار. (2010). معجم اللغة العربية المعاصرة. عالم الكتب: القاهرة.
القرطبي، شمس الدين. (2011). الجامع لأحكام القرآن الكريم، تفسير القرطبي (تحقيق: أحمد البردوني). ط2،
دار الكتب المصرية: القاهرة.
مسعود، جبران. (1992). الرائد معجم لغوي عصري. دار العلم للملايين: بيروت.
مصطفى، إبراهيم والزيات، أحمد وعبدالقادر، أحمد والنجار، أحمد. (2010). المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية
دار الدعوة: القاهرة.
نخبة من أساتذة التفسير. (2010). التفسير الميسر. ط2. مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف: المملكة
العربية السعودية.
هاشم، عبد القادر رمزي. (2005). مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية. 41، مجلة إسلامية المعرفة،13-24.