مهندس / فاضل سيف محمد بوشهري
مدير معهد التدريب المهني
المنطق علم يخضع للاستدلالات والاستنتاجات، ويمنح الانسان القدرة على التفكير السليم في مختلف مجالات الحياة ليحافظ على المسير إلى الأمام، ويتغير من عصر لآخر لذا
ينبغي أن تكون مناهج التعليم والتدريب بوجه عام، خاضعة للتعديل وإعادة بناء في مجرى التفكير والظروف الاجتماعية والمعرفة العلمية المتزايدة والثورة الصناعية الهائلة.
وهنا تقع المسئولية المجتمعية على الأسر وجمعيات النفع العام الكويتية، نحو تثقيف وتوعية جيل الشباب، بأهمية الصناعة وما يرتبط بها من مهن وحرف يحتاجها سوق العمل الكويتي.
يجب أن نميز بين أهداف أصبحت مهملة ومهجورة وتغلب عليها العواطف، وأهداف يمكن إعادة بنائها لكي تواجه مواقف جديدة مترتبة على تغييرات مستمرة في الحياة الاجتماعية، التي يلازمها تقدم في العلم والصناعة وما يرتبط بها من تقنيات وأساليب تدريب.
إن إتقان التعليم وجودته أمر مهم، أما الحلم باستحداث تخصصات جديدة يحتاجها سوق العمل فيتعداها ،كما أن التغلب على الصعوبات يعد خطوة نحو النجاح ،فالناس لا يولدون بمعارف ومهارات ،إنه شيء يعملون على تنميته مع مرور الوقت ،وفي حسابات الربح والخسارة ،فإننا جميعا في السنوات الأخيرة خاسرون ،وأعني دول مجلس التعاون الخليجي ،ونتج عن الخسارة فقدان البوصلة ،حتى وصل الأمر أحيانا للتشكيك في شرعية الشهادات ،علينا أن نرى قيمة العمل الجاد من ناحية مهنية وأخلاقية ووطنية ،ومع ذلك فليس لدينا سوى القليل الذي نتعلمه اليوم من أخلاقيات مدرسة آبائنا وأجدادنا.
والمجتمع يسير باستمرار بدوافع اجتماعية تحتاج إلى توجيه وتطوير فقط، لذا لا بد أن يتم بصورة خالصة، ويجب عدم قبول تصورات من الماضي بدون إعادة بناء دقيق على ضوء التجربة المعاصرة والاحتياجات المنطقية، كما أن محاولة التجديد أمر مستحب إذا كان في الغالب ناجحا إلى حد معقول ويؤدي إلى تطوير أبعد، بعكس الركود وعدم السعي للتطوير والغوص في الملل، ولن أتمادى في التفاصيل لكي لا نعقد الأمور في نظر القارئ الذي لم يسبق له التعاطي مع هذه الأمور.
نعم تواجه العملية التعليمية والتدريبية مشكلات مستعصية لا يمكن أن تظل رمزية ولفظية، لذا نفترض منهجية علمية لمعالجتها وفق خطة أخلاقية أفضل من خطة العالم الواقعي! وبالتأكيد نحو مستقبل أفضل.
ولن تتحقق المُثل المنهجية بمجتمعاتنا الخليجية في الوقت الحاضر، وترجع الأسباب لمسايرتنا للعواطف والأهواء والاعتبارات الاجتماعية والمحسوبية، بالإضافة إلى عدم وضوح الأفكار والخبرات، وباعتباري شخص أكاديمي فإنني أرى أفكار المجتمع إما أن تكون أفكارا جديدة تطبق بسلوك تقليدي، أو تكون أفكارا تقليدية تطبق بسلوك جديد، وفي كلتا الحالتين لا تأخذ الأفكار والسلوكيات المسار الصحيح، فروح الإبداع لا تسكن جسد التناقل والتقليد.
أنا شخصيا أفتخر بالنهاية الطيبة لعملي الذي بات قريبا أن أصل إليه، أتحمل كل أنواع المصاعب والعراقيل، إرادتي لن تلين، أشعر بنشوة الانتصار رغم المستحيل، إن هذا الفكر أشبه بما نسميه بطولة.
فعندما أرى ابتسامات أبنائي المتدربين وزملائي في العمل، ينزاح عن ذهني عبء أيام قاسية مرت أو مازالت باقية، وكل ما أستطيع أقوله هو شيء روحاني، وأقصد روح التعاون والتطوير والانجاز.
إن شاء الله الحاضر محدد سلفا عن طريق خطة وهدف مستقبلي ثابت.
والتدريب المهني أحد أهم العناصر الرئيسة والمهمة للتنمية البشرية في المجالات الحرفية والصناعية.
ونحن بدورنا بمعهد التدريب المهني التابع للهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، نحرص على جودة ومستوى التدريب لأبنائنا المتدربين، لكي نتمكن من تخريج شباب كويتي بمهارات حرفية بمستوى اتقان عالي، وحتى نحقق هذا الهدف.
جعلنا شعارنا بالمعهد.. اختار حرفتك – تضمن مهنتك – تحقق سعادتك.
وجعلنا منهجنا.. التعليم بتمهل والتدريب خطوة بخطوة.
وباعتباري مدير لمعهد التدريب المهني وضعت خطة لتحسين وتطوير الأداء، تتوافق مع حاجة وطبيعة سوق العمل، وإمكانيات ورغبات الشباب الكويتي، وشرعت بتنفيذ الخطة على مسارين، الأول بإصلاحات عاجلة في البنية التحتية والفوقية، والمسار الثاني بالتطوير الاستراتيجي لكي يتوافق مع ما تفضل به الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد طيب الله ثراه، برؤية الكويت 2035.
وما من شك الوضع استثنائي بعد جائحة فيروس كورونا، والمسئولية أصبحت أكبر والتحدي يحتاج عناء وجهد متواصل، إن شاء الله نسعى بكل جهد ومهنية في عملنا، وهذا واجب وطني وأخلاقي لأبنائنا المتدربين.
وحتى نظهر الصورة بشكل أكبر بشأن أهمية الجانب المهني والحرفي، في إحدى المقابلات الصحفية لرئيس شركة مايكروسوفت السيد ببل غيتس ،سُئل عن سبب صناعة معظم منتجات الشركة بالصين ،حيث أفاد بأن السبب هو دقة ومهارة العمالة الحرفية هناك وليس رخصها ..انتهى التعليق.
كما يعتبر حدثا تاريخيا توقيع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامت، أمرا تنفيذيا مهما يعطي أولوية التوظيف لأصحاب المهارات والمواهب، لا الشهادات الجامعية.
لذا نجد كل الدول الصناعية المتقدمة تهتم بتأهيل شبابها بخبرات مهنية عالية، وهذا ما يحقق القوة التنافسية بالتطور الهائل في المجالات الصناعية المختلفة.
كما كشفت لنا جائحة فيروس كورونا حجم العمالة الهامشية، ومدى حاجتنا للعمالة الحرفية الوطنية، وبالتأكيد هي تحديات كبيرة عملنا لها عدة دراسات، وأنا شخصيا شاركت في سنة 2007، مع ادارات التوجيه العام بوزارة التربية لفتح مسارات تعليم جديدة في المجالات الهندسية والصحية والبيئة، لتكون رافد إضافي لخريجي الثانوية العامة بشقيها العلمي والأدبي.
وشاركت في سنة 2010. أنا وخبراء آخرين بفرق عمل تطوعية، تابعة للجنة مركز اعتماد مستويات المهارات المهنية تابع لوزارة الشئون، برئاسة الدكتور حمود فهد المضف وإشراف المهندس يوسف حسين بابا، حيث أسسنا لقاعدة اختبارات تحديد مستوى كفاءة العمالة الحرفية الوافدة، وأنجزنا تصنيف أكثر من 130 حرفة ومهنة تمارس العمل بالقطاع الخاص والخدمي، وبناء عليه وضعنا معايير واشتراطات لتصنيف مستوى العمالة الوافدة للكويت، ومع الأسف تم تجميد العمل بالدراسة مثل الكثير من الدراسات المهمة!
و خلال فترة حكم صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد طيب الله ثراه ، أشار في عدة مناسبات إلى أمنيته بأن يرى أبناءه الكويتيين في المجالات الصناعية والحرفية.
وهذا ما يؤكد عليه سمو رئيس مجلس الوزراء على مبدأ تعديل التركيبة السكانية، ولكي نخرج من إطار المجاملات والمحسوبية، أعتقد حان الوقت لتفعيل الدراسات المهمة كما أشرت سابقا، حتى نتمكن من زيادة نسبة النمو في حدود من (3 إلى 5%) سنويا للعمالة الوطنية في القطاع الصناعي والحرفي، وبالنتيجة في سنة 2035. أي بعد 15 عام قد نتمكن من تحقيق ما تفضل به سمو رئيس مجلس الوزراء، نسبة الكويتيين من ( 50 إلى 70% ) من اجمالي السكان.
ويقينا لكي نحقق هذا الهدف، نحتاج لرعاية واهتمام وتضافر للجهود الحكومية مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، وأنا شخصيا وكذلك زملائي أصحاب الخبرات بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب على أتم الاستعداد للتعاون مع المجلس الأعلى للتخطيط بخبراتنا المتواضعة، آملين بإذن الله أن نتمكن من تحقيق رؤية القيادة السياسية وعلى رأسها صاحب السمو نواف الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه، ودمتم سالمين.