"بطولة سطرها التاريخ لتشهدها الأجيال"
يوم 24فبراير1991 تاريخ شهد بأن الشباب الكويتي قد قاوم الظلم والطغيان في سبيل تحرير الوطن فكانت قصة شهداء بيت القرين واحدة من القصص البطولية التي صنعتها المقاومة الكويتية خلال فترة الاحتلال وقبل طلوع شمس التحرير بيومين وقعت ملحمة بيت القرين التي شارك فيها 19 شاباً من أصل 31 شاباً ينتمون إلى مجموعة أطلقت على نفسها "مجموعة المسيلة قوة الكويت" وقد حال القدر ألا يمن على جزء منهم بالمشاركة في تلك الملحمة وذلك إما لوقوع أحدهم بالأسر أو من انقطعت به الطرق للوصول إلى مقر القيادة قبل يوم من حدوث المعركة.
لقد تعرض الشباب المقاوم لعملية اقتحام قاسية غير متكافئة فما كان عليهم إلا المواجهة بالصبر والمقاومة، استمرت المعركة لمدة عشرة ساعات بدأت عند الساعة الثامنة صباحاً وانتهت في السادسة مساءً وكانوا لا يملكون سوى السلاح الذاتي للدفاع عن النفس في مواجهة جحافل من الجيش المزودين بالأسلحة الثقيلة والدبابات، وكانت من أبرز مهام المجموعة هي مقاومة القوات المحتلة بكل الطرق والوسائل بالإضافة إلى جمع السلاح حيث كانت تتم عملية جمع السلاح إما عن طريق القواعد العسكرية أو من خلال شراء السلاح من أفراد الجيش المحتل نفسه، وبهذا أصبح لدى المجموعة كمية كبيرة من الأسلحة مما جعل القائد يأمر أحد أفراد مجموعته بتخزين جزء من السلاح ودفنه في باطن الأرض للاستفادة منه لاحقاً واستخدام الجزء الآخر في المهمات التي يقومون بها، فتركزت مهام المجموعة على قنص أفراد الجيش المحتل وضرب الآليات العسكرية المحملة بالذخيرة، في بداية الأمر لم يواجه أفراد المجموعة صعوبة في أداء مهامهم لعدم أخذ الغزاة سبل الحيطة والحذر أثناء تنقلاتهم، ولكن مع مرور الوقت قاموا بتشديد الرقابة وإقامة نقاط سيطرة والتمركز بالمزارع، وحينها قاموا أفراد المجموعة بالانتقال إلى منطقة القرين لكونها منطقة بناء حديثة غير معروفة لدى مخابرات العدو المحتل مما وفر لهم الجو المناسب والأمان المطلوب، تواصلت أعمال المجموعة البطولية حتى أوائل شهر نوفمبر حيث قامت القوات المحتلة بعدها بتصعيد فرض الرقابة على أفراد الشعب الكويتي مما دعا أفراد المجموعة بالتوقف عن عملياتهم العسكرية والانخراط بالأعمال المدنية المتعلقة بخدمة الأهالي كالعمل في المخابز ونقل المياه وغير ذلك، وفي تاريخ 17يناير حين تم الإعلان عن انطلاق الهجوم الجوي إيذاناً ببدء معركة التحرير، أصدر قائد المجموعة أوامر بإخراج السلاح من مخابئه وتجهيزه للمعركة الكبرى ونظراً إلى أن المنطقة كانت مأهولة بالسكان قرر القائد وقتها الانتقال إلى قطاع آخر من نفس المنطقة وكان صاحب البيت آنذاك خارج دولة الكويت، فبدأت عملية نقل السلاح التي تمت بنجاح رغم الصعوبات التي لقيتها المجموعة في عملية النقل.
ومع اقتراب الهجوم البري والبدء في عملية تحرير الكويت تاريخ 20فبراير، بدأت القوات المحتلة في اعتقال الشباب الكويتي من داخل المنازل واخذهم كأسرى حرب وفي هذه الأثناء كان أفراد المجموعة في وضع استعداد وترقب لأداء الدور الرئيسي لتشكيل المجموعة والذي لطالما حلموا به ففي 24فبراير ما أن أعلن عن بدء الهجوم البري ساد الفرح على نفوسهم.
وعند الساعة الثامنة صباحاً طلب القائد من أفراد مجموعته لبس الزي الخاص بهم والذي أعده بنفسه وهو عبارة عن قميص أبيض نقش عليه اسم المجموعة وشعارها وخلال انشغالهم بتجهيز السلاح وصلت سيارة استخبارات تابعة للجيش المحتل كانت تجوب المنطقة بحثاً عن الشباب الكويتي لاعتقالهم يتبعها باص صغير به عدد من الجنود المسلحين فتوقفت عند باب المنزل التابع للمجموعة وقام أحد الضباط بطرق باب المنزل فلم يستجيب لهم أحد وحينها أمر الضابط أحد الجنود باقتحام المنزل لتتسنى لهم سرقة محتوياته وهنا كان قائد المجموعة وبصحبته أحد الأفراد يراقبان الموقف من خلال النافذة المواجهة للشارع وهنا أخذوا اختيار المواجهة والدفاع عن الوطن فبادر القائد إلى اطلاق النار على الجندي ولكن لسوء حظه فقد تعطل السلاح بيده فبادر زميله بإطلاق النار ومن هنا كانت البداية لملحمة الصمود والتحدي التي أصيب على أثرها الضابط بجانب السيارة في حين لاذ بقية أفراد القوات المحتلة بالفرار، وبعد لحظات قليلة وصلت جحافل الغزاة من كل جهة محملين بالأسلحة فحاصروا المنزل من جميع الجهات، فأمر قائد المجموعة بعدم التمركز بمكان واحد والتوزع حتى بالمنازل المجاورة لتفريق قوة العدو واستمرت المعركة بين الطرفين حتى الساعة السادسة مساءً حيث استخدم الجيش المحتل كل ما لديهم من أسلحة ثقيلة (دبابات – مدافع – بازوكات – وحتى ال آر.بي.جي) في مقابل ذلك كان الشباب الكويتيون مجهزين بالسلاح الذاتي فقط، وعلى الرغم من كل ذلك فقد أبلى الشباب الكويتيون بلاءً حسناً والتي انتهت باستشهاد ثلاثة منهم في الحال، وأسر تسعة أخرون والذين تم العثور على جثثهم فيما بعد ملقاة في مكان آخر وكانت علامات التعذيب واضحة عليهم، وقد كتب الله النجاة لسبعة من افراد المجموعة حيث تمكن اثنان منهم بالخروج في الساعات الأولى من المعركة إلى المنازل المجاورة، أما الخمسة الباقون فقد استمروا بالمعركة حتى نهايتها بعد أن فشلت القوات المحتلة في العثور عليهم من بين الأنقاض والظلام الدامس نتيجة لانقطاع التيار الكهربائي.
لقد كانت ملحمة بيت القرين أكبر دليل على التضحية وقوة الصمود التي تحلى بها مجموعة من أبناء دولة الكويت فقد أظهرت هذه المجموعة على رغم من بساطة أسلحتها استعداداً للتضحية بكل غالي ونفيس في سبيل تحرير الوطن، وقد قام الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح – رحمه الله بزيارة مكان المعركة وأمر بتحويل المنزل إلى متحف وطني ليكون شاهداً حياً على صمود الشعب الكويتي وليكون رمزا للفخر والقدوة لأبناء الأجيال القادمة